أحوال مصر قبل الفتح الإسلامي
كانت مصر أثناء الحكم البيزنطي خاضعة مباشرةً للامبراطور البيزنطي في القسطنطينية، وذلك لأهميتها الاقتصادية للدولة الرومانية في الشرق والغرب، حيث كانت مصر تعتبر مخزن غلال الامبراطورية وذلك خلافاً لبقية مقاطعات الدولة الرومانية والتي كانت خاضعة لحكم مجلس الشيوخ.[4] وكان اختلاف عقيدة المصريين عن حكامهم سببا في اضطهادهم من قبل البيزنطيين وذلك لإختلاف عقيدة المصريين الذين رفضوا قرارات مجمع خلقيدونية (451) عن عقيدة البيزنطيين الذين قبلوا بقرارات هذا المجمع.
[عدل] دوافع فتح مصر
هناك عدة دوافع دفعت المسلمين إلي الإتجاه إلي فتح مصر ومنها
* الدافع الديني: وهو ضرورة نشر الإسلام في مصر وأفريقيا، وقد سبق للمسلمين في عهد النبي محمد دعوة المقوقس إلى الإسلام سلميا، فقد أرسل له النبي الصحابي حاطب بن أبي بلتعة، وكذلك أبو بكر الصديق أرسل إليه حاطبًا مرة أخرى، وفي عهد عمر بن الخطاب أرسل إليه كعب بن عدي بن حنظلة التنوخي، فما كان من المقوقس إلا أن اكتفي بالرد الحسن. وكانت مصر خاضعة للإمبراطورية البيزنطية المسيحية فلا يمكن للمسلمين الدعوة إلي الإسلام فيها دون المواجهة مع البيزنطيين، وتمثل مصر مكانة كبيرة لدي المسلمين بسبب ذكرها العديد من المرات في القرأن الكريم وتبشير النبي محمد للمسلمين بفتحها وتوصيته بأهلها خيرا كل ذلك جعل المسلمين حرصين علي ضم مصر إلي الدولة الإسلامية [5].
* الدافع العسكري: لأن مصر هي الإمتداد الطبيعي الجنوبي لفلسطين التي سيطر عليها المسلمون وقد إنسحب إليها أرطبون قائد بيت المقدس لإعادة المقاومة، واسترجاع الشام مرة أخرى، هذا ما جعل المسلمون يسارعون في دخول مصر، وأيضا الاستيلاء علي ما في مصر من ثغور وسفن سوف يمكِّن المسلمين من إخضاع مدن الشام الشمالية الواقعة على البحر المتوسط، ففتح مصر ضرورة حربية ملحة تكميلا لفتح بلاد الشام؛ هذا لأن الإمبراطورية الرومانية كانت تسيطر علي مصر والشام وبلاد المغرب والتي تعتبر منطقة عسكرية واحدة، وأيضا خوفا من أن يهاجم البيزنطيون دار الخلافة في الحجاز عن طريق البحر الأحمر، وأيضا حاول البيزنطيون استرداد الشام من المسلمين مرة أخرى وعرقلة توجههم جنوبا فهاجموهم من شمال الشام فشعر المسلمون أنهم محاصرون بين قوات بيزنطة في آسيا الصغرى وقواتهم في مصر. وأيضا قلة التحصينات بمصر جعل مهمة الفتح سهلة وكان أغلب المشاركين في الفتح من من قبيلتي غافق وعك اليمنيتين وكان لديهم مهارة في قتال الحصون الساحلية، واشتركوا مع عمرو في فتح الحصون ببلاد الشام، كما كانوا على دراية ببناء المدن واختطاطها، والإلمام بالزراعة[5].
* الدافع السياسي الاقتصادي: فقد تَجَمَّع لدى المسلمين من معلومات أن الأوضاع الاقتصادية في مصر كانت متردية وكانت ثروات البلاد تذهب إلي روما، وأيضا أوضاع المصريين الأقباط الذين كانوا يعانوا من الأضطهاد الديني المذهبي من قبل البيزنطيين، وأدركوا أن ضم مصر إلي دولة الإسلام سينعش اقتصاد المسلمين ويضعف البيزنطييين حيث أن مصر كانت مصدرا رئيسيا لتمويل بيزنطة بالقمح[5].
دخول المسلمين مصر
إتساع الدولة الإسلامية منذ نشأتها حتى نهاية العصر الأموي. ██ تحت حكم محمد، 622-632 ██ تحت حكم الخلفاء الراشدين، 632-661 ██ تحت حكم الدولة الأموية، 661-750
[عدل] اجتياز الحدود
ذكر خليفة بن خياط وابن خلدون وكذلك الطبري عن ابن اسحاق وذكر ابن الأثير في الكامل أن عمر بن الخطاب قد أمر عمرو بن العاص بعد فروغه من الشام أن يسير إلى مصر سنة 20 هـ ديسمبر 639 م، وقيل إحدى أو اثنين أو خمس وعشرين كما ذكر ابن خلدون في تاريخه، وهناك رواية تقول ستة عشرة أوردها ابن الأثير.[6][7][8][9]
وكان عمر بن الخطاب متوجساً من دخول جيوش العرب إلى إفريقيا عن طريق مصر حيث كان يظن ان خطر مثل هذه الخطوة ليس صغيرا وفشلها سيؤثر بالسلب على الدولة الإسلامية التي ما زالت في طور النمو، كما تناقش مع عثمان بن عفان وحذره عثمان من طبيعة عمرو بن العاص الجانحة للمخاطرة. ولكنه وافق على مضض بعد إلحاح عمرو بن العاص عليه فسار عمرو في جيش صغير من 4000 جندي أكثرهم من قبيلة عك وإن كان الكندي يقول أن الثلث كانوا من قبيلة غامق، ويروي ابن دقماق أنه كان مع جيش العرب جماعة ممن أسلم من الروم وممن أسلم من الفرس، وقد سماهم في كتابه، سار بهم من عند الحدود بين مصر وفلسطين حتى صار عند رفح وهي على مرحلة واحدة من العريش بأرض مصر، فأتت عند ذلك رسل تحمل رسالة من الخليفة، ففطن عمرو إلى ما فيها، وظن أن الخليفة لابد قد عاد إلى شكه في أمر دخول مصر. فلم يأخذ الرسالة من الرسول حتى عبر مهبط السيل الذي ربما كان الحد الفاصل بين أرض مصر وفلسطين، وبلغ بسيره الوادي الصغير الذي عند العريش، وهناك أتى له بالكتاب فقرأه ثم سأل من حوله أنحن في مصر أم في الشام ؟ فقيل له نحن في مصر. فقرأ على الناس كتاب الخليفة ثم قال: إذن نسير في سبيلنا كما يأمرنا أمير المؤمنين، وكان الخليفة يأمره بالرجوع إذا كان بعد في فلسطين، فإذا كان قد دخل أرض مصر فليسر على بركة الله ووعده أن يدعوا الله له بالنصر وان يرسل له الإمداد.[10]
[عدل] الاستيلاء على بلوز وسقوط حصن بلبيس
في يناير 640م وصل العرب إلى مدينة بلوز، واسمها بالمصرية "برمون" ويسميها العرب "الفرما" في نهاية سنة 639م. وكانت مدينة بلوز مدينة قوية بها حصون وبها كثير من الآثار المصرية والكنائس والأديرة. وكانت تعتبر مفتاح مصر الشرقي. فبرز له راهبان، احدهم هو الجاثليق أبو مريم، ومعهم المقوقس والأرطبون القائد الروماني الشهير الذي هرب من الشام، ودار بين عمرو بن العاص وبين الراهبين حوار عرض فيه عمرو عليهم الإسلام أو الجزية وأخبرهم بوصية محمد في أقباط مصر، فطلبوا منه مهلة فأمهلهم ثلاثة أيام يقول الطبري قالوا زدنا فزادهم يومين، ولما تشاوروا فيما بينهم خمسة أيام اتفقوا على القتال ورفض الجزية أو الإسلام، وخالفوا قائدهم العام المقوقس الذي أراد الاستسلام ودفع الجزية. فغادرهم المقوقس وتوجه إلى حصن بابليون، وخرج الأرطبون والراهبان ومن معهما لقتال المسلمين عند حصن بلبيس، وذلك بعد شهر من الحصار، فانتصر المسلمون وقُتل الأرطبون.[7][8][9][11][12][13][14]
وقد ساهمت أرمانوسة ابنة المقوقس في مقاومة العرب في بلوز، فلما سقطت أسيرة في أيدي العرب، أمر عمرو بن العاص بارسالها إلى أبيها في حصن بابيلون مكرمة مع جميع ما معها وذلك مكافأة للمقوقس الذي كان أرسل هدية للنبي محمد عندما راسله وطالب منه أن يسلم هو وقومه.[15][16]
بعد ذلك انقسم جيش المسلمين إلى ثلاثة أقسام توجه القسم الأول إلى عين شمس بقيادة عمرو بن العاص والزبير بن العوام وظل أبرهة بن الصباح لحصار بلوز وأرسل عوف بن مالك إلى الأسكندرية. يقول بعض المؤرخين أن الحرب استمرت متقطعة بين العرب بقيادة أبرهة بن الصباح وبين حامية مدينة بلوز مدة تترواح بين شهر و3 أشهر. واستولى العرب بعدها على بلوز بعد قتال عنيف، وهدموا الحصن، وأحرقوا السفن وخربوا الكنائس الباقية بها[14][17]. وعلى النقيض من ذلك هناك روايات مثل رواية الطبري تقول أن أبرهة بن صباح وعوف بن مالك كليهما عرضا الأمان على أهل المدينتين فقبلوا بذلك ودخلوهما بدون مقاومة[7].
أما في عين شمس فقد قرر المقوقس مقاومة المسلمين فقاتلوهم حتى هُزموا وارتقى الزبير سورها فشعر المصريون أنهم على وشك الهزيمة فقبلوا بالجزية حسب ابن الأثير والطبري، ويقول ابن خلدون أن حاصرهم المسلمون مدة ثم اتفقوا على الجزية. عقد الصلح بين المسلمين والمصريين اتفقوا فيه على رد ما أُخِذَ منهم عنوة والإبقاء على السبايا وأجروا من دخل في صلحهم من الروم والنوبة مجرى أهل مصر، ويقول ابن الأثير أن عمر رد سبايا من لم يقاتلهم.[7][8][9]
ونص الصلح كما أورده الطبري في تاريخه ونقله عنه ابن خلدون:
«بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الامان على أنفسهم ودمهم وأموالهم وكافتهم وصاعهم ومدهم وعددهم لا يزيد شيء في ذلك ولا ينقص ولا يساكنهم النوب وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح وانتهت زيادة نهرهم خمسين ألف ألف وعليه ممن جنى نصرتهم فان أبى أحد منهم أن يجيب رفع عنهم من الجزى بقدرهم وذمتنا ممن أبى برية وان نقص نهرهم من غايته إذا انتهى رفع عنهم بقدر ذلك ومن دخل في صلحهم من الروم والنوب فله ما لهم وعليه ما عليهم ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه ويخرج من سلطاننا وعليهم ما عليهم اثلاثا في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم المؤمنين وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسا وكذا وكذا فرسا على ان لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة»
ويقول ابن خلدون أمضاه لهم عمر بن الخطاب وأشهد عليه الزبير وعبد الله ومحمد ابناه.
سار عمرو بجيشه حتى وصل إلى بلهيب، فعرض حاكم الإسكندرية الجزية على المسلمين مقابل الأمان ورد السبايا، فأرسل عمرو بن العاص أو الزبير بن العوام إلى عمر بن الخطاب بالعرض فأرسل إليهم أن يقبلوا بالجزية وأن يخيروا السبايا بين الإسلام وبين الجزية فمن قبل بالجزية ردوه ومن بقي بالإسلام بقي، واستثنى من ذلك من كان قد وصل من السبايا إلى المدينة واليمن. ثم تحرك عمرو بالجيش إلى أن وصل مشارف الإسكندرية فتحصن الروم في حصن بابليون، فحاصرهم عمرو بن العاص حتى استطاعوا اقتحامه، بعد أن ارتقى الزبير بن العوام أسوار الحصن كما قال بن الخياط.[6][7][8][9]
بعض الروايات تشير إلى أن مصر فتحت عنوة بلا عهد ولا عقد وقد أورد بعضها ابن خياط في تاريخه نذكر منها ما رواه عن عمرو بن العاص أنه قال: « لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر علي عهد ولا عقد إن شئت قتلت وإن شئت بعت وإن شئت خمست، إلا أهل طرابلس فإن لهم عهدا يوفى به»، وتقول روايات أخرى أن الإسكندرية فقط فتحت عنوة وردت في المصدر السابق (1/99):(1/100)، أما السيوطي فقد قال في حصن المحاضرة (1/43):«فتح الله أرض مصر كلها بصلح غير الإسكندرية وثلاث قريات ظاهروا الروم على المسلمين: سليطس، ومصيل، وبلهيب». وقد اعترض بعض المؤرخين على هذة الروايات مثل الطبري الذي اعتبرها كاذبة.
ويصف المؤرخ القبطي يوحنا النقيوسي الذي عاصر دخول العرب مصر أحداث هذه الحقبة قائلاً:
* "إن العرب استولوا على إقليم الفيوم وبويط، وأحدثوا فيهما مذبحة هائلة، مات فيها خلق كثيرون من الأطفال والنساء والشيب".[18]
* "في زمن الصيف سار عمرو إلى سخا وطوخ دمسيس أملا في إخضاع المصريين قبل الفيضان ولكنه فشل، وكذا صدته دمياط حيث أراد أن يحرق ثمار المزارع وأخيرا عاد إلى جيوشه المقيمة في بابيلون مصر، وأعطاهم الغنيمة التي أخذها من الأهالي الذين هاجروا إلى الإسكندرية، بعد أن هدم منازلهم وبنى من الحديد والأخشاب التي جمعها من الهدم قنطرة توصل بين قلعة بابيلون ومدينة البحرين ثم أمر بحرق المدينة كلها، وقد تنبه السكان إلى هذا الخطر فخلصوا أموالهم وتركوا مدينتهم، وقام العرب بحرقها، ولكن السكان عادوا إلى المدينة وأطفؤوا الحريق، ووجه العرب حملتهم على مدن أخرى ونهبوا أموال سكانها وارتكبوا ضدهم أعمالا عنيفة.".[19]
* "أتى المسلمون بعد ذلك إلى نقيوس واستولوا على المدينة ولم يجدوا فيها جنديا واحدا يقاومهم، فقتلوا كل من صادفهم في الشوارع وفي الكنائس، ثم توجهوا بعد ذلك إلى بلدان أخرى وأغاروا عليها وقتلوا كل من وجدوه فيها، وتقابلوا في مدينة صا باسكوتارس ورجاله الذين كانوا من عائلة القائد تيودور داخل سياج كرم فقتلوهم، وهنا فلنصمت لأنه يصعب علينا ذكر الفظائع التي ارتكبها الغزاة عندما احتلوا جزيرة نقيوس في يوم الأحد 25 مايو سنة 642 في السنة الخامسة من الدورة".[20]
أحوال مصر بعد الفتح
* لم يقسم المسلمون أرض مصر بين الفاتحين ولكن إكتفوا بفرض الضرائب علي المصريين، وتركوها في أيدي الشعب يتعهدها فتثمر. وفي زمن الخلفاء الراشدين مسحت الأراضي، واحتفظت الحكومة بسجلاتها، وأنشأت عدداً كبيراً من الطرق وعنيت بصيانتها، وأقيمت الجسور حول الأنهار لمنع فيضانها [21].
* كما أعاد عمرو بن العاص البطريرك بنيامين والذي كان فارا من اضطهاد الرومان لكرسي بابويته [2]. كما أعاد عمرو بن العاص حفر قناة سيزوستريس وعرفت بخليج أمير المؤمنين [22].
* كما أبطل المسلمون إحدي العادات السيئة التي كانت موجودة قبل الفتح وهي عادة ما تسمي بعروس النيل وهي إلقاء فتاة بكر في النيل في شهر بؤونة حتي يجري ويفيض:
«لما فتحت مصر أتى أهلُها إلى عمرو بن العاص حين دخل بؤونة من أشهر العجم، فقالوا له: أيها الأمير إن لنيلنا هذا سُنَّةُ لا يجري إلا بها، فقال لهم: وما ذاك ؟ قالوا: إذا دخلت ثنتا عشرة ليلة من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أباها، وحملنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في النيل، قال لهم: إن هذا لا يكون في الإسلام، إن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأقاموا بؤونة، وأبيب، ومسرى لا يجري قليلاً ولا كثيرًا حتى همَّوا بالجلاء عنها فلما رأى ذلك عمرو بن العاص كتب إلى عمر رضي الله عنه بذلك، فكتب إليه عمر: "إنك قد أصبت لأن الإسلام يهدم ما كان قبله، وكتب بطاقة داخل كتابه وكتب إلى عمرو: "إني قد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي، فألقها في النيل فلما قدم كتاب عمر إلى عمرو بن العاص أخذ البطاقة فإذا فيها: «من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر، أما بعد: فإن كنت إنما تجري من قبلك ومن أمرك فلا تجر فلا حاجة لنا فيك، وإن كنت إنما تجري بأمر الله الواحد القهار، وهو الذي يجريك فنسأل الله تعالى أن يجريك.»[23] فألقى البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج، لأنه لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل، فلما ألقى البطاقة أصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله ستة عشر ذراعًا في ليلة واحدة، فقطع الله تلك السُّنَّةَ السُّوء عن أهل مصر إلى اليوم [24].»
كانت مصر أثناء الحكم البيزنطي خاضعة مباشرةً للامبراطور البيزنطي في القسطنطينية، وذلك لأهميتها الاقتصادية للدولة الرومانية في الشرق والغرب، حيث كانت مصر تعتبر مخزن غلال الامبراطورية وذلك خلافاً لبقية مقاطعات الدولة الرومانية والتي كانت خاضعة لحكم مجلس الشيوخ.[4] وكان اختلاف عقيدة المصريين عن حكامهم سببا في اضطهادهم من قبل البيزنطيين وذلك لإختلاف عقيدة المصريين الذين رفضوا قرارات مجمع خلقيدونية (451) عن عقيدة البيزنطيين الذين قبلوا بقرارات هذا المجمع.
[عدل] دوافع فتح مصر
هناك عدة دوافع دفعت المسلمين إلي الإتجاه إلي فتح مصر ومنها
* الدافع الديني: وهو ضرورة نشر الإسلام في مصر وأفريقيا، وقد سبق للمسلمين في عهد النبي محمد دعوة المقوقس إلى الإسلام سلميا، فقد أرسل له النبي الصحابي حاطب بن أبي بلتعة، وكذلك أبو بكر الصديق أرسل إليه حاطبًا مرة أخرى، وفي عهد عمر بن الخطاب أرسل إليه كعب بن عدي بن حنظلة التنوخي، فما كان من المقوقس إلا أن اكتفي بالرد الحسن. وكانت مصر خاضعة للإمبراطورية البيزنطية المسيحية فلا يمكن للمسلمين الدعوة إلي الإسلام فيها دون المواجهة مع البيزنطيين، وتمثل مصر مكانة كبيرة لدي المسلمين بسبب ذكرها العديد من المرات في القرأن الكريم وتبشير النبي محمد للمسلمين بفتحها وتوصيته بأهلها خيرا كل ذلك جعل المسلمين حرصين علي ضم مصر إلي الدولة الإسلامية [5].
* الدافع العسكري: لأن مصر هي الإمتداد الطبيعي الجنوبي لفلسطين التي سيطر عليها المسلمون وقد إنسحب إليها أرطبون قائد بيت المقدس لإعادة المقاومة، واسترجاع الشام مرة أخرى، هذا ما جعل المسلمون يسارعون في دخول مصر، وأيضا الاستيلاء علي ما في مصر من ثغور وسفن سوف يمكِّن المسلمين من إخضاع مدن الشام الشمالية الواقعة على البحر المتوسط، ففتح مصر ضرورة حربية ملحة تكميلا لفتح بلاد الشام؛ هذا لأن الإمبراطورية الرومانية كانت تسيطر علي مصر والشام وبلاد المغرب والتي تعتبر منطقة عسكرية واحدة، وأيضا خوفا من أن يهاجم البيزنطيون دار الخلافة في الحجاز عن طريق البحر الأحمر، وأيضا حاول البيزنطيون استرداد الشام من المسلمين مرة أخرى وعرقلة توجههم جنوبا فهاجموهم من شمال الشام فشعر المسلمون أنهم محاصرون بين قوات بيزنطة في آسيا الصغرى وقواتهم في مصر. وأيضا قلة التحصينات بمصر جعل مهمة الفتح سهلة وكان أغلب المشاركين في الفتح من من قبيلتي غافق وعك اليمنيتين وكان لديهم مهارة في قتال الحصون الساحلية، واشتركوا مع عمرو في فتح الحصون ببلاد الشام، كما كانوا على دراية ببناء المدن واختطاطها، والإلمام بالزراعة[5].
* الدافع السياسي الاقتصادي: فقد تَجَمَّع لدى المسلمين من معلومات أن الأوضاع الاقتصادية في مصر كانت متردية وكانت ثروات البلاد تذهب إلي روما، وأيضا أوضاع المصريين الأقباط الذين كانوا يعانوا من الأضطهاد الديني المذهبي من قبل البيزنطيين، وأدركوا أن ضم مصر إلي دولة الإسلام سينعش اقتصاد المسلمين ويضعف البيزنطييين حيث أن مصر كانت مصدرا رئيسيا لتمويل بيزنطة بالقمح[5].
دخول المسلمين مصر
إتساع الدولة الإسلامية منذ نشأتها حتى نهاية العصر الأموي. ██ تحت حكم محمد، 622-632 ██ تحت حكم الخلفاء الراشدين، 632-661 ██ تحت حكم الدولة الأموية، 661-750
[عدل] اجتياز الحدود
ذكر خليفة بن خياط وابن خلدون وكذلك الطبري عن ابن اسحاق وذكر ابن الأثير في الكامل أن عمر بن الخطاب قد أمر عمرو بن العاص بعد فروغه من الشام أن يسير إلى مصر سنة 20 هـ ديسمبر 639 م، وقيل إحدى أو اثنين أو خمس وعشرين كما ذكر ابن خلدون في تاريخه، وهناك رواية تقول ستة عشرة أوردها ابن الأثير.[6][7][8][9]
وكان عمر بن الخطاب متوجساً من دخول جيوش العرب إلى إفريقيا عن طريق مصر حيث كان يظن ان خطر مثل هذه الخطوة ليس صغيرا وفشلها سيؤثر بالسلب على الدولة الإسلامية التي ما زالت في طور النمو، كما تناقش مع عثمان بن عفان وحذره عثمان من طبيعة عمرو بن العاص الجانحة للمخاطرة. ولكنه وافق على مضض بعد إلحاح عمرو بن العاص عليه فسار عمرو في جيش صغير من 4000 جندي أكثرهم من قبيلة عك وإن كان الكندي يقول أن الثلث كانوا من قبيلة غامق، ويروي ابن دقماق أنه كان مع جيش العرب جماعة ممن أسلم من الروم وممن أسلم من الفرس، وقد سماهم في كتابه، سار بهم من عند الحدود بين مصر وفلسطين حتى صار عند رفح وهي على مرحلة واحدة من العريش بأرض مصر، فأتت عند ذلك رسل تحمل رسالة من الخليفة، ففطن عمرو إلى ما فيها، وظن أن الخليفة لابد قد عاد إلى شكه في أمر دخول مصر. فلم يأخذ الرسالة من الرسول حتى عبر مهبط السيل الذي ربما كان الحد الفاصل بين أرض مصر وفلسطين، وبلغ بسيره الوادي الصغير الذي عند العريش، وهناك أتى له بالكتاب فقرأه ثم سأل من حوله أنحن في مصر أم في الشام ؟ فقيل له نحن في مصر. فقرأ على الناس كتاب الخليفة ثم قال: إذن نسير في سبيلنا كما يأمرنا أمير المؤمنين، وكان الخليفة يأمره بالرجوع إذا كان بعد في فلسطين، فإذا كان قد دخل أرض مصر فليسر على بركة الله ووعده أن يدعوا الله له بالنصر وان يرسل له الإمداد.[10]
[عدل] الاستيلاء على بلوز وسقوط حصن بلبيس
في يناير 640م وصل العرب إلى مدينة بلوز، واسمها بالمصرية "برمون" ويسميها العرب "الفرما" في نهاية سنة 639م. وكانت مدينة بلوز مدينة قوية بها حصون وبها كثير من الآثار المصرية والكنائس والأديرة. وكانت تعتبر مفتاح مصر الشرقي. فبرز له راهبان، احدهم هو الجاثليق أبو مريم، ومعهم المقوقس والأرطبون القائد الروماني الشهير الذي هرب من الشام، ودار بين عمرو بن العاص وبين الراهبين حوار عرض فيه عمرو عليهم الإسلام أو الجزية وأخبرهم بوصية محمد في أقباط مصر، فطلبوا منه مهلة فأمهلهم ثلاثة أيام يقول الطبري قالوا زدنا فزادهم يومين، ولما تشاوروا فيما بينهم خمسة أيام اتفقوا على القتال ورفض الجزية أو الإسلام، وخالفوا قائدهم العام المقوقس الذي أراد الاستسلام ودفع الجزية. فغادرهم المقوقس وتوجه إلى حصن بابليون، وخرج الأرطبون والراهبان ومن معهما لقتال المسلمين عند حصن بلبيس، وذلك بعد شهر من الحصار، فانتصر المسلمون وقُتل الأرطبون.[7][8][9][11][12][13][14]
وقد ساهمت أرمانوسة ابنة المقوقس في مقاومة العرب في بلوز، فلما سقطت أسيرة في أيدي العرب، أمر عمرو بن العاص بارسالها إلى أبيها في حصن بابيلون مكرمة مع جميع ما معها وذلك مكافأة للمقوقس الذي كان أرسل هدية للنبي محمد عندما راسله وطالب منه أن يسلم هو وقومه.[15][16]
بعد ذلك انقسم جيش المسلمين إلى ثلاثة أقسام توجه القسم الأول إلى عين شمس بقيادة عمرو بن العاص والزبير بن العوام وظل أبرهة بن الصباح لحصار بلوز وأرسل عوف بن مالك إلى الأسكندرية. يقول بعض المؤرخين أن الحرب استمرت متقطعة بين العرب بقيادة أبرهة بن الصباح وبين حامية مدينة بلوز مدة تترواح بين شهر و3 أشهر. واستولى العرب بعدها على بلوز بعد قتال عنيف، وهدموا الحصن، وأحرقوا السفن وخربوا الكنائس الباقية بها[14][17]. وعلى النقيض من ذلك هناك روايات مثل رواية الطبري تقول أن أبرهة بن صباح وعوف بن مالك كليهما عرضا الأمان على أهل المدينتين فقبلوا بذلك ودخلوهما بدون مقاومة[7].
أما في عين شمس فقد قرر المقوقس مقاومة المسلمين فقاتلوهم حتى هُزموا وارتقى الزبير سورها فشعر المصريون أنهم على وشك الهزيمة فقبلوا بالجزية حسب ابن الأثير والطبري، ويقول ابن خلدون أن حاصرهم المسلمون مدة ثم اتفقوا على الجزية. عقد الصلح بين المسلمين والمصريين اتفقوا فيه على رد ما أُخِذَ منهم عنوة والإبقاء على السبايا وأجروا من دخل في صلحهم من الروم والنوبة مجرى أهل مصر، ويقول ابن الأثير أن عمر رد سبايا من لم يقاتلهم.[7][8][9]
ونص الصلح كما أورده الطبري في تاريخه ونقله عنه ابن خلدون:
«بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الامان على أنفسهم ودمهم وأموالهم وكافتهم وصاعهم ومدهم وعددهم لا يزيد شيء في ذلك ولا ينقص ولا يساكنهم النوب وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح وانتهت زيادة نهرهم خمسين ألف ألف وعليه ممن جنى نصرتهم فان أبى أحد منهم أن يجيب رفع عنهم من الجزى بقدرهم وذمتنا ممن أبى برية وان نقص نهرهم من غايته إذا انتهى رفع عنهم بقدر ذلك ومن دخل في صلحهم من الروم والنوب فله ما لهم وعليه ما عليهم ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه ويخرج من سلطاننا وعليهم ما عليهم اثلاثا في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم المؤمنين وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسا وكذا وكذا فرسا على ان لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة»
ويقول ابن خلدون أمضاه لهم عمر بن الخطاب وأشهد عليه الزبير وعبد الله ومحمد ابناه.
سار عمرو بجيشه حتى وصل إلى بلهيب، فعرض حاكم الإسكندرية الجزية على المسلمين مقابل الأمان ورد السبايا، فأرسل عمرو بن العاص أو الزبير بن العوام إلى عمر بن الخطاب بالعرض فأرسل إليهم أن يقبلوا بالجزية وأن يخيروا السبايا بين الإسلام وبين الجزية فمن قبل بالجزية ردوه ومن بقي بالإسلام بقي، واستثنى من ذلك من كان قد وصل من السبايا إلى المدينة واليمن. ثم تحرك عمرو بالجيش إلى أن وصل مشارف الإسكندرية فتحصن الروم في حصن بابليون، فحاصرهم عمرو بن العاص حتى استطاعوا اقتحامه، بعد أن ارتقى الزبير بن العوام أسوار الحصن كما قال بن الخياط.[6][7][8][9]
بعض الروايات تشير إلى أن مصر فتحت عنوة بلا عهد ولا عقد وقد أورد بعضها ابن خياط في تاريخه نذكر منها ما رواه عن عمرو بن العاص أنه قال: « لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر علي عهد ولا عقد إن شئت قتلت وإن شئت بعت وإن شئت خمست، إلا أهل طرابلس فإن لهم عهدا يوفى به»، وتقول روايات أخرى أن الإسكندرية فقط فتحت عنوة وردت في المصدر السابق (1/99):(1/100)، أما السيوطي فقد قال في حصن المحاضرة (1/43):«فتح الله أرض مصر كلها بصلح غير الإسكندرية وثلاث قريات ظاهروا الروم على المسلمين: سليطس، ومصيل، وبلهيب». وقد اعترض بعض المؤرخين على هذة الروايات مثل الطبري الذي اعتبرها كاذبة.
ويصف المؤرخ القبطي يوحنا النقيوسي الذي عاصر دخول العرب مصر أحداث هذه الحقبة قائلاً:
* "إن العرب استولوا على إقليم الفيوم وبويط، وأحدثوا فيهما مذبحة هائلة، مات فيها خلق كثيرون من الأطفال والنساء والشيب".[18]
* "في زمن الصيف سار عمرو إلى سخا وطوخ دمسيس أملا في إخضاع المصريين قبل الفيضان ولكنه فشل، وكذا صدته دمياط حيث أراد أن يحرق ثمار المزارع وأخيرا عاد إلى جيوشه المقيمة في بابيلون مصر، وأعطاهم الغنيمة التي أخذها من الأهالي الذين هاجروا إلى الإسكندرية، بعد أن هدم منازلهم وبنى من الحديد والأخشاب التي جمعها من الهدم قنطرة توصل بين قلعة بابيلون ومدينة البحرين ثم أمر بحرق المدينة كلها، وقد تنبه السكان إلى هذا الخطر فخلصوا أموالهم وتركوا مدينتهم، وقام العرب بحرقها، ولكن السكان عادوا إلى المدينة وأطفؤوا الحريق، ووجه العرب حملتهم على مدن أخرى ونهبوا أموال سكانها وارتكبوا ضدهم أعمالا عنيفة.".[19]
* "أتى المسلمون بعد ذلك إلى نقيوس واستولوا على المدينة ولم يجدوا فيها جنديا واحدا يقاومهم، فقتلوا كل من صادفهم في الشوارع وفي الكنائس، ثم توجهوا بعد ذلك إلى بلدان أخرى وأغاروا عليها وقتلوا كل من وجدوه فيها، وتقابلوا في مدينة صا باسكوتارس ورجاله الذين كانوا من عائلة القائد تيودور داخل سياج كرم فقتلوهم، وهنا فلنصمت لأنه يصعب علينا ذكر الفظائع التي ارتكبها الغزاة عندما احتلوا جزيرة نقيوس في يوم الأحد 25 مايو سنة 642 في السنة الخامسة من الدورة".[20]
أحوال مصر بعد الفتح
* لم يقسم المسلمون أرض مصر بين الفاتحين ولكن إكتفوا بفرض الضرائب علي المصريين، وتركوها في أيدي الشعب يتعهدها فتثمر. وفي زمن الخلفاء الراشدين مسحت الأراضي، واحتفظت الحكومة بسجلاتها، وأنشأت عدداً كبيراً من الطرق وعنيت بصيانتها، وأقيمت الجسور حول الأنهار لمنع فيضانها [21].
* كما أعاد عمرو بن العاص البطريرك بنيامين والذي كان فارا من اضطهاد الرومان لكرسي بابويته [2]. كما أعاد عمرو بن العاص حفر قناة سيزوستريس وعرفت بخليج أمير المؤمنين [22].
* كما أبطل المسلمون إحدي العادات السيئة التي كانت موجودة قبل الفتح وهي عادة ما تسمي بعروس النيل وهي إلقاء فتاة بكر في النيل في شهر بؤونة حتي يجري ويفيض:
«لما فتحت مصر أتى أهلُها إلى عمرو بن العاص حين دخل بؤونة من أشهر العجم، فقالوا له: أيها الأمير إن لنيلنا هذا سُنَّةُ لا يجري إلا بها، فقال لهم: وما ذاك ؟ قالوا: إذا دخلت ثنتا عشرة ليلة من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أباها، وحملنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في النيل، قال لهم: إن هذا لا يكون في الإسلام، إن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأقاموا بؤونة، وأبيب، ومسرى لا يجري قليلاً ولا كثيرًا حتى همَّوا بالجلاء عنها فلما رأى ذلك عمرو بن العاص كتب إلى عمر رضي الله عنه بذلك، فكتب إليه عمر: "إنك قد أصبت لأن الإسلام يهدم ما كان قبله، وكتب بطاقة داخل كتابه وكتب إلى عمرو: "إني قد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي، فألقها في النيل فلما قدم كتاب عمر إلى عمرو بن العاص أخذ البطاقة فإذا فيها: «من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر، أما بعد: فإن كنت إنما تجري من قبلك ومن أمرك فلا تجر فلا حاجة لنا فيك، وإن كنت إنما تجري بأمر الله الواحد القهار، وهو الذي يجريك فنسأل الله تعالى أن يجريك.»[23] فألقى البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج، لأنه لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل، فلما ألقى البطاقة أصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله ستة عشر ذراعًا في ليلة واحدة، فقطع الله تلك السُّنَّةَ السُّوء عن أهل مصر إلى اليوم [24].»