«مهما قدرت على أن تعالج بالأغذية فلا تعالج بالأدوية، ومهما قدرت على أن تعالج بدواء مفرد فلا تعالج بدواء مركب».
من حديث أبوبكر الرازى لتلاميذه
عرف العرب أصول علم التغذية العلاجية فى العصر الوسيط قبل أن تنهض أوروبا من عصور الظلام. دونوا الملاحظات ووضعوا التجارب العلمية وربطوا بين الطعام والأمراض وذكروا الأعشاب وتأثيراتها. ظلت كتبهم مراجع فى جامعات أوروبا فى عصر النهضة، بولونيا وبادوا فى إىطاليا ومونبيليه وباريس فى فرنسا وأدنبرة وكمبردج بإنجلترا.
هذه ليست دعوة لتجاهل الأدوية، لكنها دعوة لإعادة النظر فى أهمية الغذاء ودوره فى أيام الصحة وساعات المرض.
يظل ارتفاع ضغط الدم فى شرايين الإنسان أحد عوامل الخطر المهمة على حياته. فرغم كل القراءات المثالية والعادية التى أصبحت معروفة لكل الناس، إلا أن الاحتفاظ بمعدلات أقل صارت القاعدة الذهبية التى يسعى الأطباء دائما لتحقيقها لمرضاهم.
ما زال ارتفاع قياس ضغط الدم أحد الألغاز المحيرة التى يقف العلم أمامها عاجزا عن ايجاد سبب حقيقى لها رغم قدرته على رصد كل تداعياتها وربما علاجها. ما تقل نسبته عن عشرة بالمائة فقط من حالات ارتفاع ضغط الدم يمكن معرفة السبب فيه والذى غالبا ما يكون نتيجة خلل هورمونى أو مرض بالكلى. أما الباقى فيظل غير معروف السبب وإن كان قابلا للعلاج والتحكم فيه.
كان من الطبيعى أن يسعى العلم لإيجاد دواء لعلاج ارتفاع ضغط الدم وكانت النتيجة عشرات من الأدوية التى تختلف فى طريقة عملها وإن كانت فى النهاية تختلف أيضا فى نسب نجاحها فى علاج المشكلة. دراسة الظروف المحيطة بارتفاع ضغط الدم ودور ملح الطعام أو عنصر الصوديوم فيها طرح قضية دور الغذاء وأثره فى حياة الإنسان للنقاش.
أمسك المعهد القومى لأمراض القلب والرئة والدم بطرف الخيط Natinol Hcart, Lung, Blood Institute لتبدأ أول دراسة أمريكية متميزة لدراسة أثر الغذاء على ارتفاع ضغط الدم وكان أن أعلن عن نتائج تلك الدراسة تحت اسم داش والذى يترجم من الإنجليزية إلى ما معناه: الحمية الغذائية التى تعالج ارتفاع ضغط الدم Dietary Approoches to Stop Hypertension أو بمعناها الحرفى الحمية الغذائية التى توقف ارتفاع ضغط الدم (DASH).
● داش: كلمة السر لعلاج ارتفاع ضغط الدم بلا أدوية
بدأ التحضير لتلك الدراسة الغذائية المهمة عام 1992 حيث تعاونت مجموعة من مراكز البحث المرموق فى الولايات المتحدة على إعداد بروتوكول للبحث يطبق فى كل المراكز على من يقع عليهم الاختبار ليتبعوا نظاما غذائيا لا يحيدون عند لمدة سنة كاملة ترصد على مدارها أحوالهم الصحية وتجرى لهم الفحوصات والتحاليل التى توضح التغيرات التى حدثت وتحدث نتيجة اتباعهم ذلك النظام الغذائى المدروس.
بعد فحص أكثر من تسعة آلاف شخص تم اختيار 459 منهم متقاربون فى الظروف الصحية: رجالا ونساء فى أعمار تدور حول السادسة والأربعين لايعانون من أى مشاكل صحية مزمنة تتراوح قياسات الضغط لديهم بين أقل من 160/80 ــ 95 من أصول مختلفة يسكنون أماكن متفرقة جغرافيا.
قام على الدراسة فريق قد يفوق فى العدد عدد من أجريت عليهم الدراسة من الأطباء والممرضات وإخصائيى التغذية والعاملين فى مجالات الإحصاء والوبائيات لتستمر الدراسة سنة، بدأت من أغسطس عام 1993 لتعلن نتائجها فى يوليو 1997.
حققت الدراسة نجاحا مدهشا وتبناها أطباء العالم لعلاج حالات ارتفاع ضغط الدم المتوسط الحدة، الأمر الذى دعا لتكرار التجربة بنفس النمط الغذائى إضافة لتقليل نسبة الصوديوم (ملح الطعام) فيه إلى ما يوازى 1500 مجم (ثلثى ملعقة صغيرة) يوميا فكانت النتائج أفضل. الأمر الذى أكد نجاح ذلك النمط الغذائى فى الهبوط بمقاييس الضغط المرتفع إلى معدلات مثالية وعادية دون اللجوء للأدوية.
● مما تتألف حمية داش الغذائية؟
هناك عدة صور من ذلك النظام الغذائى الصحى لا تختلف كثيرا عن بعضها. إذ إن الفكرة الأساسية فيها واضحة والغرض منها علاج ارتفاع ضغط الدم والوقاية منه. فإذا أردنا فائدة مزدوجة كالحفاظ على وزن ملائم ثابت إلى جانب علاج ارتفاع الضغط راجعنا مكونات الطعام لنختار منها مالا تزيد فيه السعرات الحرارية عن ما بين 1600 ــ 2600 سعر حرارى.
تبقى مكونات الطعام واحدة لا تتغير إنما فقط تتغير كمية وقدر الطاقة فيه.
تعتمد حمية داش على اختيارات غذائية صحية تبدأ بطعام تقل فيه اللحوم، الدهون المشبعة، والكوليستيرول وتحضر فيه بقوة الفواكه والخضراوات الطازجة والبقول وكل منتجات الألبان قليلة وخالية الدسم. يضم أيضا الحبوب الكاملة والأسماك والدواجن والمكسرات ويتوارى فيه كل أنواع الحلوى والجاتوهات والمربى والمشروبات التى يدخل فى تركيبها السكر.
طعام غنى بالمعادن مثل البوتاسيوم والماغنسيوم والكالسيوم ولا ينقصه الفيتامينات:
● الكالسيوم: يعد مهما لعلاج ارتفاع ضغط الدم والوقاية منه. أفضل مصادره منتجات الألبان قليلة أو خالية الدسم. إذ إن المصنع منه لا يحدث أى أثر على ارتفاع ضغط الدم.
الكالسيوم أيضا يمكن الحصول عليه من مصادر أخرى مثل عصير البرتقال، حليب الصويا، التوفو، السردين بعظامه، اللوز، البروكلى.
● الماغنسيوم: له دوره الحيوى فى عمل عضلة القلب ورد فعل الشرايين لانقباضها وانبساطها. أفضل المصادر الغذائية للحصول على الماغنسيوم هى المكسرات، الحبوب الكاملة بأنواعها، الخضراوات الورقية، البقول، العدس، التين، القراصيا والفواكه المجففة.
● البوتاسيوم: يعد البوتاسيوم أحد العناصر الايجابية فى علاج ارتفاع الضغط فى الشرايين إذ يتسبب وجوده فى إضعاف حساسية الشرايين لأثر الهورمونات التى تسبب للشرايين إلى جانب أثر مباشر له فى دفع الشرايين للارتخاء، الأمر الذى يسبب اتساعها وبالتالى هبوط قدر الضغط داخلها.
مصادر البوتاسيوم الغذائية عديدة: اللحوم، الدجاج، سمك السلمون، البطاطس، الموز، البرتقال، الخوخ، الطماطم، الكنتالوب، الأفوكادو. البوتاسيوم من مصادر غذائية أفضل من الحصول عليه فى صورة شراب أو أقراص.
● الصوديوم: 1500 مجم من الصوديوم هى الحد الأعلى لما يجب أن يتناوله الإنسان يوميا تقل قليلا مع التقدم فى العمر 1300 مجم (نصف ملعقة صغيرة). للصوديوم تأثير مباشر على ارتفاع ضغط الدم، لذا يجب تفاديه سواء على المائدة أو فى كل المعلبات والمأكولات المحفوظة وأنواع المشروبات التى يدخل فيها الصودا.
●● تعليق للصفحة:
حمية داش الغذائية بالفعل تعد أول ما يمكن أن يوصى به طبيب حكيم حينما يتأكد من أن مريضه يعانى من أعراض ارتفاع ضغط الدم خاصة حينما يبدو القياس فى المرحلة المتوسطة التى لا تحمل خطورة أكيدة وقت اكتشافها.
الامتناع عن التدخين، تفادى الملح، بعض من التمارين البدنية التى تساعد على نشاط الدورة الدموية مثل المشى، الهرولة، ركوب الدراجة إلى جانب حمية داش قد تحمى الإنسان من أخطار ارتفاع ضغط الدم وقد تحميه أيضا من الأعراض الجانبية لأدوية قد يضطر لتناولها طوال العمر.
أساسيات نظام داش الغذائى لعلاج ارتفاع ضغط الدم
● الكثير من الفواكه والخضراوات الطازجة والبقول.
● منتجات الألبان قليلة الدسم وأهمها الزبادى.
● الحبوب الكاملة والألياف.
● القليل من الدهون بأنواعها.
● القليل من السكر والكحول.
● الكثير من السمك، الدواجن، البذور، المكسرات.
● أطعمة غنية بالمعادن: البوتاسيوم، الكالسيوم، الماغنسيوم.
● مقدار من الصوديوم لا يتجاوز 1500مجم يوميا (ثلثى ملعقة صغيرة)
● نظام غذائى لا يتجاوز 1600 ــ 2600 سعر حرارى فى اليوم.